القرآن عبارة عن كتاب مثير للمشاكل السياسية حيث يظهر في العالم الغربي بين الحين و الآخر تبعا للحالة السياسية محاولات و كتابات و مقالات يشكك في القرآن ويثير الشبهات حوله وحول مصداقيته . تقليديا، كانت الحملة على القرآن ومحاولات التشكيك فيه يشنها المسيحيون واليهود، ولأسباب دينية بالاساس ، اي في اطار سعي اتباع الديانتين الى اثبات ان ديانتيهم هما الاصح . لكن الجديد في السنوات الماضية انه انضم الى هؤلاء في استهداف القرآن القوى السياسية في امريكا . السبب هو ان امريكا منذ بدأت شن حملتها الرامية الى الهيمنة على مجرة درب التبانة اكتشفت ان القوى التي تتحدى هذه الهيمنة هي قوى مرجعيتها اسلامية . من افغانستان الى العراق الى فلسطين الى لبنان . في اطار هذه المقاومة ، توقف الامريكيون بصفة خاصة امام ظاهرة اعتبروها مصدر خطر اساسي على مشروعهم هي ظاهرة الانتحاريين
الحل
توصل العلماء الغربيون الى نتيجة نهائية مؤداها ان الخطر الذي يهدد مشروع الهيمنة الاستعمارية ليس خطرا نابعا من مجموعات اسلامية راديكالية او عنيفة او ارهابية ايا كانت التسمية ، وانما الخطر ينبع من الاسلام ذاته كدين . وبالتالي، توصلوا الى نتيجة استراتيجية مؤداها ان الحرب الحقيقية التي يجب شنها اذا اريد لمشروع الهيمنة ان يتحقق ينبغي ان تكون حربا على الاسلام. بعبارة اخرى اعتبروا ان المعركة الحقيقية هي معركة تغيير الاسلام نفسه كدين وعلى تطويعه بحيث لا يصبح مصدرا لتهديد مشروع الهيمنة . ولهذا في السنوات القليلة الماضية ، اصبحنا نقرأ في التحليلات الاستراتيجية الامريكية باستمرار تعبيرات مثل الاسلام الاصلاحي او الاسلام المعاصر او الاسلام المعولم او اسلام القرن الحادي والعشرين . وكلها تعني امرا واحدا ان الاسلام كدين يجب ان يتغير جذريا.
في القلب من معركة تغيير الاسلام تأتي معركة القرآن , كيف ؟ خططهم وضغوطهم من اجل تعديل مناهج الدراسة والخطاب الاعلامي والديني في الدول العربية والاسلامية من اجل ما يسمونه الترويج لمفاهيم التسامح والذي يقصدون به في حقيقة الامر القضاء على قيم الجهاد . لكنهم توصلوا الى نتيجة جوهرية مؤداها ان كل هذا لا يكفي ولا يمكن ان يحقق الهدف النهائي المنشود . توصلوا الى نتيجة انه طالما ان القرآن هو بالنسبة إلى المسلمين كتاب الله فليس هناك امل لا في تغيير الاسلام ، ولا في القضاء على قيم الجهاد . هذه النتيجة كانت موضوعا لانشغال مراكز الابحاث الاستراتيجية في امريكا هكذا وباختصار شديد، تطور التفكير الاستراتيجي الامريكي حتى وصل الى ضرورة شن الحرب على الاسلام وعلى القرآن .
ماذا يريدون
بعبع يحمل المصحف الشريفالاب نيو هوس ، احد المقربين جدا من المحافظين الجدد في امريكا ، ويرأس تحرير مجلة يمينية كتب يقول ان ازمة الغرب هي اساسا مع رسالة الاسلام ذاتها . وقال انه كي لا يصبح الاسلام تهديدا للعالم ، فانه يجب ان يتخلى عن زعمه بأنه يمتلك الحقيقة، فهذا الزعم هو الذي يغذي المتطرفين والارهابيين ويشجعهم . نفس الفكرة تبناها مركز ابحاث امريكان انتربريز في دراسة مطولة كتبها جيمس ويلسون تحت عنوان الاصلاح الذي يحتاج إليه الاسلام. تعتبر الدراسة ان المشكلة في الاسلام ، على عكس المسيحية ، ان القرآن يضم عددا كبيرا من الاوامر والقوانين والتوجيهات التي تنظم كل شيء وتعتبر بالنسبة إلى المسلمين مقدسة لا يجوز المساس بها. وتذكر الدراسة ان مشكلة القرآن انه، مثل العهد القديم ، من الصعب جدا تفسيره تفسيرا واحدا حاسما . وتزعم ان القرآن يضم كثيرا من الايات المتناقضة، وتضرب مثلا على ذلك بالاية التي تنص على انه لا اكراه في الدين وآيات اخرى تقول انها تناقضها . والخلاصة التي تنتهي اليها دراسة مركز الابحاث الامريكي هي انه لابد من تحديث القرآن. وتشير هنا الى ان هناك باحثين يعكفون فعلا على مهمة تحديث القرآن ، وان الفكرة الاساسية في هذا التحديث هو التأكيد على المقاصد العامة جدا في القرآن من دون التقيد بالضرورة بالاحكام الضيقة التي يتضمنها.
البنتاجون والقرآن
القادة العسكريين الامريكيين افزعتهم جدا ظاهرة العمليات الإنتحارية في افغانستان وفي العراق وحاروا في فهمها وتفسيرها. لهذا كلفوا وحدة مخابرات وابحاث خاصة في البنتاجون بدراسة هذه الظاهرة ، وطلبوا منهم على وجه الخصوص الاجابة عن هذا السؤال : ما هي دوافع هؤلاء الانتحاريين بالضبط ؟ ما هي الاسباب التي تدفعهم إلى التضحية بأنفسهم في هذه العمليات الانتحارية ؟ الوحدة الخاصة في البنتاجون اعدت بالفعل هذه الدراسة وجاءت تحت عنوان دوافع الانتحاريين المسلمين والنتيجة التي توصلت اليها الدراسة في تفسير دوافع هؤلاء واسباب قيامهم بهذه العمليات تتلخص في كلمة واحدة هي القرآن , ذكرت الدراسة ان هؤلاء الانتحاريين لا يفعلون سوى انهم ينفذون اوامر القرآن الضيقة والمتطرفة وتدلل على ذلك بإيراد آيات من القرآن تتعلق بالجهاد]] والشهادة والجنة . وتورد على وجه التحديد آيات من ست سور قرآنية ، هي سور البقرة و آل عمران والانفال والتوبة والرحمن والعصر .
وماذا يريدون ايضا
يريدون بداية وقبل كل شيء ترسيخ اعتقاد عملي عام مؤداه انه ليست هناك اي محرمات في الاسلام فوق النقد او حتى الاساءة بعبارة اوضح ترسيخ الاعتقاد بأنه لا الرسول ولا حتى القرآن فوق النقد . هذه هي الفكرة الجوهرية التي تجمع بين الرسوم الكارتونية المسيئة للرسول ، وبين ما قاله البابا في محاضرته .
يحلمون بأن يكون هناك قرآن جديد او قرآن حديث او ايا كانت التسمية . وهنا ، فانه بالاضافة الى الكتابات في الغرب عن القرآن التي تروج لهذه الفكرة والتي اشرت الى نماذج لها ، لديهم فكرة جوهرية اخرى ترددت في ابحاث وكتابات اخرى . يقولون انه في المسيحية هناك عهد جديد وعهد قديم ، فلماذا لا يكون في الاسلام قرآن جديد في مقابل القرآن القديم ؟ لكنهم يعلمون ان اي محاولة من هذا القبيل ، اي محاولة اعداد قرآن جديد ومع ان باحثين يعكفون عليها كما يقولون هي في نهاية المطاف مآلها الفشل ، ولهذا فان ما يهمهم بالاساس هو ان يترسخ لدى المسلمين وبالتدريج اعتقاد بأن القرآن ليس فوق مستوى النقد والمراجعة وبأنه ليس من الضروري الاخذ بكل ما جاء في القرآن او الالتزام به . ان تحقق هذا الهدف فهو بالنسبة اليهم كاف جدا
.
عرب ايضا
محمد عابدالجابري
هناك محاولات عربية في هذا المجال و أحسن مثال على ذلك هو الكاتب العربي المعروف محمد عابد الجابري الذي نشر مقالتين في صحيفة الاتحاد الإماراتية .
المقال الأول بعنوان : ما قيل انه رفع او سقط من القرآن والثاني بعنوان : المصادر الشيعية والزيادة والنقصان في القرآن . الذي يقوله الجابري في المقالين باختصار شديد هو ان القرآن وقع فيه تحرف ونقص .
ويقول
” جميع علماء الاسلام من مفسرين ورواة حديث يعترفون بأن هناك آيات وسورا قد سقطت او رفعت ولم تدرج في نص المصحف . واورد في مقاله الاول 13 رواية ، وفي الثاني اقوالا لعلماء الشيعة ، تؤكد ان القرآن وقع فيه نقص وتحرف . “
وفي نهاية مقاله الاول يقول:
” يعلل علماء الاسلام من اهل السنة ظاهرة سقوط آيات من القرآن بكونها داخلة في معنى النسخ ، غير ان علماء آخرين انكروا ان يكون ذلك من النسخ وقالوا ان ما ذكر من الزيادة والنقصان في القرآن يرجع الى خبر الاحاد ، والقرآن لا يثبت به ، وانما يثبت بالتواتر . الكل يعلم ان هذه القضية التي يتحدث فيها الجابري ليست قضية جديدة ابدا . هي مثارة منذ زمن طويل جدا وبتوسع اكبر بكثير مما طرحه