وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) (الاسراء:90) )أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً) (الاسراء:91) )أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) (الاسراء:92) )أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) (الاسراء:93)
قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا يونس بن بكير حدثنا محمد بن إسحاق حدثني شيخ من أهل مصر قدم منذ بضع وأربعين سنة عن عكرمة عن ابن عباس أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب ورجلا من بني عبد الدار وأبا البختري أخا بني أسد والأسود بن المطلب بن أسد وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبدالله بن علي وأمية بن خلف والعاص بن وائل ونبيها ومنبها ابني الحجاج السهميين اجتمعوا أو من اجتمع منهم بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا وهو يظن أنه قد بدا لهم في أمره بداء وكان عليهم حريصا يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم حتى جلس إليهم فقالوا يا محمد: إنا قد بعثنا إليك لنعذر فيك وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة فما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سودناك علينا وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك - وكانوا يسمون التابع من الجن الرئي ـ فربما كان ذلك بذلنا أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه أو نعذر فيك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما بي ما تقولون ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتي يحكم الله بيني وبينكم" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فقالوا يا محمد فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق منا بلادا ولا أقل مالا ولا أشد عيشا منا فاسأل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا وليبسط لنا بلادنا وليفجر فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من مضى من آبائنا وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب فإنه كان شيخا صدوقا فنسألهم عما تقول فقال حق هو أم باطل؟
فإن صنعت ما سألناك وصدقوك صدقناك وعرفنا به منزلتك عند الله وأنه بعثك رسولا كما تقول. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما بهذا بعثت إنما جئتكم من عند الله بما بعثني فقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتي يحكم الله بيني وبينكم" قالوا فإن لم تفعل لنا هذا فخذ لنفسك فسل ربك أن يبعث ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك وتسأله فيجعل لك جنات وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة ويغنيك بها عما نراك تبتغي فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه حتى نعرف فضل منزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أنا بفاعل ما أنا بالذي يسأل ربه هذا وما بعثت إليكم بهذا ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتي يحكم الله بيني وبينكم" قالوا فأسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل ذلك فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك إلى الله إن شاء فعل بكم ذلك"
فقالوا يا محمد أما علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه ونطلب منك ما نطلب فيقدم إليك ويعلمك ما تراجعنا به ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدا فقد أعذرنا إليك يا محمد أما والله لانتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا وقال قائلهم نحن نعبد الملائكة وهي بنات الله وقال قائلهم لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا. فلما قالوا ذلك قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وقام معه عبدالله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر ابن مخزوم وهو ابن عمته عاتكة ابنة عبدالمطلب فقال:
يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل ذلك ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب فوالله لا أومن بك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما ثم ترقى وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معك بصحيفة منشورة ومعك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول وايم الله لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك ثم انصرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزينا أسفا لما فاته مما كان طمع فيه من قومه حين دعوه ولما رأى من مباعدتهم إياه وهكذا رواه زياد بن عبدالله البكائي عن ابن إسحاق حدثني بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس فذكر مثله سواء.
وهذا المجلس الذي اجتمع هؤلاء له لو علم الله منهم أنهم يسألون ذلك استرشادا لأجيبوا إليه ولكن علم أنهم إنما يطلبون ذلك كفرا وعنادا فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت أعطيناهم ما سألوا فإن كفروا عذبتهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة. فقال "بل تفتح عليهم باب التوبة والرحمة" كما تقدم ذلك في حديثي ابن عباس والزبير بن العوام أيضا عند قوله تعالى "وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا".
وقال تعالى "وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا" وقوله تعالي "حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا" الينبوع: العين الجارية سألوه أن يجري لهم عينا معينا في أرض الحجاز ههنا وههنا وذلك سهل على الله تعالى يسير لو شاء لفعله ولأجابهم إلى جميع ما سألوا وطلبوا ولكن علم أنهم لا يهتدون كما قال تعالى "إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم" وقال تعالى "ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا وما كانوا ليؤمنوا" الآية
تفسير ابن كثير
كل الذين اجتمعوا في هذا المجلس كانوا من أعيان مكة و عقلائها
لقد حاوروا محمدا بكل الهدوء و اللين و لم يؤدوه أو يعتدوا عليه
بل بالعكس طالبوه بالتي هي أحسن أن يكف عنهم أداه و عن أهله و عشيرته .و عابوا عليه ما يقترفه في حق قومه قائلين
: إنا قد بعثنا إليك لنعذر فيك وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة فما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك
فأي سماحة ترجى أكثر من هذه و أي حلم؟؟
طالبوه بإحدى الحسنيين إما الكف عن الغي الذي هو فيه ، أو الإتيان بما يدل على أنه مرسل نبي؟؟؟
فما كان جوابه عند كل إفحام إلا :
إنما أمرت أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتي يحكم الله بيني وبينكم
يا للعجزالمبين!!!
و يا لوقاحة الرد!!! حتى يحكم الله بيننا !! أ ليس هذا تهديدا مبطنا؟؟
ثم؛ أين هي معجزة انشقاق القمر؟ و أين معجزة غزو الفضاء بالبغل الطائر؟؟ و أين معجزة انبجاس الماء من بين الأصابع المحمدية المقدسة؟؟ و معجزة في ظهره قوة أربعين؟ أما معجزتا تكثير اللبن لأبي هريرة و تكثير الثمر للعرباض بن سارية !!أين راحتا؟؟؟ أين هي كل هذه المعجزات؟؟ لماذا لم يحتج بها رسول الله صلى الله عليه و سلم أمام عقلاء مكة؟؟ . هل يكون نسيها يا ترى أمام هجومهم المباغث؟؟؟؟ أم هو لسانه الذي تلعثم و غلب عليه الخجل ؟؟ أم أنه كذاب أشر وقع ضحية كذبه؟؟؟
و المشكل الكبير هو أن كتاب هذا الرجل يتغنى بمعجزات موسى و عيسى و ناقة صالح ونمل سليمان ، و في نفس الوقت يكذب هؤلاء الرجال و يسفههم و ينصب نفسه سيدا عليهم و إماما ، ثم يقرّ في نفس الآن أنه لا يستطيع أن يأتي بمثل ما أتى به أولئك الذين يكذبهم من معجزات.!!!
أو ليست هذه هي السفالة؟؟
أو ليست هذه هي قلة الحياء و المروءة؟؟
ثم لننظر إلى نوعية الأسئلة المحكمة التي وضعها أهل مكة قبل ألف و أربعمائة سنة ، و إلى مواقف العجز التي بدرت عن محمد إزاءها ، و لنأسف بعدها لبلهاء عصرنا الذين لا زالوا يصدقون الفرية المحمدية و لنحزن عليهم ، بئس ما يصدقون ، و بئس ما يدّعون.
أبو نبي الحمير
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire