vendredi 27 mars 2009

الهريريات الجزء السادس



ولاية فنّان المضيرة

بعدما قضى في صُفـَّة رسول الله ، دون التفكير بمغادرتها، ما قضى .

 و بعد ما بدا من سوء طباعه و دناءة سلوكه و قبيح سمعته ، نتيجة نقائصه التي لا تعدّ و لا تحصى ، ما جلي و ظهر.
لم يجد النبي أمام نهمه الشّره ، و لزومه الصّفّة الذي لا ينقضي ، و وضاعته التي يأتيها ما بين منبره و حجرة زوجته ، و كذلك أمام أعظم نقيصة فيه ؛جبنه ، لم يجد النبي بدّا من إبعاده ، حتى يريح المدينة و أهلها منه ، و حتى يمنعه من تشويه صورة المجتمع الإسلامي الجديد أمام أضياف و زوّار الرسول و المدينة.
فلقد كان فنّان المضيرة يتماوت أمام منبر الرسول وهو يخطب في النّاس ، كما سبق أن ذكرناه ، و ذلك حسب الحديث الذي رواه البخاري عنه ؛ بأنّه قال : لقد رأيتني و إنّي لأخِـرُّ فيما بين منبر رسول الله إلى حجرة عائشة مغشيا علي فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي و يرى أنّي مجنون! و ما بي من جنون! ما بي إلا الجوع..
(ص 259و260 ج13 من فتح البخاري).
أمّا في شهر جمادى سنة ثمان للهجرة فقد حدث أن أراد فنّاننا أن يجرّب الشجاعة ،و أن يخُطّ لنفسه أسطر البطولات ، فشارك في موقعة مؤتة التي قتل فيها زيد بن أبي طالب و عبد الله بن رواحة . لكن طبعه الجبان غلب عليه منذ أول ما سمع صلصلة السيوف و رأى لمعان الحديد فولّى مدبرا. 
فاسمع ما يحكيه عنه صاحبه الأعرج و الذي هو عبد الرحمن بن هرمز، المكنى أبا داود مولى محمد بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، المتوفى بالإسكندرية حسب كتاب المعارف لابن قتيبة ؛ في الصفحة الثانية عشرة من الجزء الثاني من كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم النّيسابّوري ؛ أن فنّاننا قال:
لقد كان بيني و بين ابن عمّ لي كلام فقال : إلا فرارك من مؤتة ؟ فما دريت أي شيء أقوله له
لدا ما أن حلّ شهر ذي القعدة من نفس السنة حتى أمر الرسول بإرسال فنّاننا الثقيل مع العلاء الحضرمي إلى أبعد و أغنى منطقة ،ألا و هي البحرين التي ذكرنا بالعراق ، حيث مكث فنّاننا مؤذّنا إلى أن توفي العلاء.
و في سنة 20 ؛ أو 21 حسب بعض الروايات ؛ ولّاه عمر البحرين بعد أن عزل عنها قدامة بن مظعون على رواية الطبري
( ـ لمّا استعمل عمر بن الخطاب على البحرين قدامة بن مظعون ـكما ذكروا ـ شرب هناك الخمر ، فقدم الجارود القعدي سيد عبد قيس على عمر من البحرين و قال له :إنّ قدامة شرب فسكر ..فقال عمر : من يشهد معك ؟ فقال أبو هريرة ، إذ كان حينئذ معهم هناك ، فدعي أبو هريرة . فقال : لم أره يشرب ، و لكني رأيته سكران يقيء ..فقال له عمر : لقد تنطّعت في الشهادة .و أرسل عمر إلى زوجة قدامة هند بنت الوليد . فأقامت الشهادة على زوجها.( فأيهما المؤمن ؟ فنّاننا أم بنت الوليد ؟) و لمّا أراد عمر أن يحدّ قدامة ، قال قدامة ليس لك ذلك .يقول الله عزّ و جل :ّ
ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا ( سورة المائدة) . فقال له عمر : أخطأت التأويل فإن بقية الآية (إذا ما اتقوا ) فإنّك إذا اتقيت اجتنبت ما حرّم الله عليك فأمر به فجلد ثمّ رجع فكلّمه و استغفر له .. و لم يحدّ من أهل بدر في الخمر إلا قدامة 
(ص 548 ،ج 2 من الاستيعاب طبعة الهند)

لكن عمر ما لبث أن أتاه عن فنّاننا هو الآخر ما خيب فيه الأمل . فلم يكن عمر بالذي يجهل تاريخ الرجل ، و لا طبع نفسه الدنيء . و لكنه آثر رغم ذلك ؛نظرا لتجربته مع العلاء و طموحه الذي لا حدّ له ؛ أن يؤمّره كما دأب على فعله . فالمعروف عن عمر في استعمال الولاة أنه كان لا يستعمل كبار الصحابة ، حتى لا يدنّسهم بالعمل ، بل كان يستعمل أصغرهم شأنا و أقلّهم قدرا مثل عمرو بن العاص الشاني و معاوية والمغيرة بن شعبة الزاني و كان يولي كذلك الموالي المحتقرين من طرف قريش مثل عمّار بن ياسر الذي ولاّه الكوفة قائلا له حسب ما ورد في الصفحة الخامسة والثلاثين بعد المائتين من كتاب الشيخان للدكتور طه حسين
أردت أن أحقق قول رسول الله عزّ و جلّ (و نريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمّة و نجعلهم الوارثين..
ففي هذا الإطار جاء تعيين عمر لفنّان المضيرة .كما أن عمر ليس بالذي سيهاب أو يهادن أو يتغاضى عن فنّاننا أو غيره . فلقد كانت سنته إذا بعث عاملا له على مدينة أو ولاية كتب ماله لكي ينظر ماذا سيصرف في ولايته و مدى ما ينتفع منها. فإذا زاد هذا المال بعد توليته شاطره ما يزيد على أصل ماله. و كان من وصيته ألا يقرّ عاملا في عمله أكثر من سنة
(ص80 الفتنة الكبرى ج1)
فبعد أن ولّاه كما ذكرنا ، و رغم أنه يعرف تمام المعرفة سيرة عمر ، فإنه ما لبث أن انتهى إلى خبر عمر عنه أشياء تخلّ بالأمانة ، فعزله و ولّى مكانه عثمان بن أبي العاص الثقفي . و لمّا عاد وجد معه لبيت المال أربعمائة ألف . فقال له: أ ظلمت أحدا ؟ فقال لا . قال : فما جئت لنفسك ؟ قال : عشرين ألفا . قال : من أين أصبتها ؟ قال كنت أتّجر . قال : أنظر رأس مالك و رزقك فخذه ، و اجعل الآخر في بيت المال
(ص338 ج2 تاريخ الذهبي الكبير)
ثمّ أمر عمر بأن يقبض منه عشرة آلاف و في رواية اثنا عشر ألفا.
و روى ابن سعد في طبقاته عن فنّاننا ؛ الذي لهذا أحبه ؛ أنّ عمرا قال له : عدوّا لله و للإسلام . و في رواية أخرى عدوّا لله و لكتابه . سرقت مال الله . و في رواية : أ سرقت مال الله ؟
(ص59 و 60 من ج4 من نفس المصدر أعلاه)
و في رواية أخرى أن عمر قال
هل علمت من حين أنّي استعملتك على البحرين ، و أنت بلا نعلين ، ثمّ بلغني أنّك ابتعت أفراسا بألف دينار و ستمائة دينار . قال : كانت لنا أفراس تناتجت و عطايا تلاقحت . قال : : قد حسبت لك رزقك و مؤونتك ، و هذا فضل فأدّه ، قال : ليس لك ذلك ، قال له عمر : بلى و الله : و أوجع ظهرك . ثمّ قام إليه بالدرة فضربه حتى أدماه ، ثمّ قال له :إيت بها . قال : احتسبتها عند الله. قال : ذلك لو أخذتها من حلال و أدّيتها طائعا ، أجئت من أقصى حجر البحرين يجبى الناس لك ؟ لا لله و لا للمسلمين . ما رجعت بك أميمة( أمّ أبي هريرة) إلا لرعية الحمر.

أبو قثم 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire