بكى أحمد منصور و نحَب ، و أظنّ أنّه في المغرب لن ير إلا العجب.
بكى ، و نسي أن ّ للتمساح دموع و أن المتنبي قال:
إذا رأيت أنياب الليث بارزة ... فلا تظنّـنّ الليث يبتسم
ترى هل بكى أحمد منصور العصماء بنت مروان و أم قرفة ؟ أم بكى بني النضير أو بني قريضة ؟
هل بكى عشرين ألفا من خيرة أصحاب نبيّه إذ تودي بهم أمهم و تقتلهم فردا فردا؟
هل بكى نبش بني العبّاس قبور بني أمية و التمثيل بأجساد أصحابها؟
هل بكى أحمد منصور ما فعله بنو سليم و بنو هلال و بنو عقيل بأجداد أحمد المرزوقي ـ ضيفه الموقّر ـ و بأرضهم و بتاريخهم و بهويّتهم ، ناهيك عن أبنائهم و نسائهم و أموالهم و مصالحهم؟؟
أنا لم أفهم ما الذي كان فعلا يبكي أحمد منصور و هو الذي جاء ليشفي قلوب قوم مسؤولين عمّا جرى للمرزوقي ، و لأجداده من قبله ، و أحفاده من بعده
طوال حلقات البرنامج، و منذ بدايته و حتى آخر ثانية منه، و أنا أترقب و أتشوّق كلمة الحقّ ،و قولَ الحقيقة. و ألاحظ مراوغات المنصور الذي امتنع عن الإشارة إلى أنّ ما حدث كان ثورة ، و لم يكن مجرّد انقلاب صبياني أودى بالانقلابيين و ظلم
صغار العسكريين. كما تحاشى إذاعة أو قراءة بلاغ الثورة كما فعل في الشهادات حول ثورة جمال عبن الناصر.. إلا أن الرّجل الذي صابر و اصطبر طوال حلقات البرنامج لم يتمالك نفسه في الدّقائق الأخيرة ، فخانته سليقته العسكرية ، و فطرته الأمازيغية التي تأبى اللف و الدّوران ، فنطق بما لا يريده أحمد منصور و كأنه هوى على أمّ رأسه بمطرقة من حديد.
لقد قال الرّجل :
الكلّ في الدّاخل و الخارج ،في أوربا و أمريكا و العالم كلّه تعاطف معنا إلا العرب و الدول العربية و المسلمة.فيا أسفي لم نر منهم ..و صمت
قولة الحق هذه انفلتت لها عينا أحمد ، و ظهرت عليه ابتسامة الشياطين إذ تتأسّف.
إنه لم ينس أنّ الذين بعثوا به ليتباكى هاهنا لم يكونوا غائبين لمّا رمي بالمرزوقي و قومه في غياهب تازمامّارت ، بل كانوا من الشاهدين و أوّل المصفقين .و لم ينس أن ما جرى لأحمد المرزوقي وأجداده الأولين ،و كلّ المغاربة قديما و حديثا ،أجمعين ، إنما هو بفضل الذين بعثوا به ليحترف البكاء، ها هنا.
كما أنه كان يعلم علم اليقين أن الذين بعثوا به لا يتعاطفون مع سادة الحرّية و الانعتاق مثل المرزوقي و قومه بل يتعاطفون مع الجلادين و المجرمين و العنصريين مثل هتلر و ستالين و غيرهم . فكيف بهم سيتعاطفون مع من يريد أن يسلخ المغرب عن أمتهم العربية الإسلامية الخيالية
بكى أحمد منصور
و الذي أعرفه هو أنّ العرب حينما يولّون وجوههم شطر بلاد المغرب إنما يفعلون ذلك لكي يضحكوا و يبتهجوا تاركين النوّاح و العويل و الصراخ وراءهم ظهريا. فما للصّورة تنقلب مع نبي الإعلام العربي!!
أحمد منصور بكى و قال:
لقد غلبتني إنسانيتي
يا سلام!
ما محلّ الإنسانية من الإعراب العربي؟
ما هو محل الإنسانية من التكفير و التخوين و النصب و الاحتيال و الكيد و التربّص و التفرقة بين المرء و أهله و ذويه الذي تمارسونه في الإعراب العربي؟
ما محل إعراب إنسانيتكم إذ تأمرون بقتل المخالف و المرتد، و تميزون البشر إلى مؤمنين و ملعونين؛ عبادا صالحين و عبيدا مقهورين؟
ما هو إعراب التّشفّي و الحقد و الحسد الذي تكتنزه تحت كلّ حرف من حروف أسئلتك؟
أنا أعرف أحمد منصور ،أعرفه مدعوذا خبيثا ، أمّارا بالسوء داعيا للترهيب و مدجّلا كبيرا. و أعرفه سياسيا نتننا ممتلئا حقدا و أضغانا...
هؤلاء الناس المظلومون ؟؟ لم يظلموا في سرقة هينة اُتهموا بها، أو زنا صراح اِقترفوه ،أو جريمة قتل عمد أو غير عمد جنوها.هؤلاء الناس اعتقلوا في أبشع جريمة شهدتها البلاد ، جريمة اغتصاب الدّولة و استهداف شخص قائدها و قتل ضيوفها مع ما استتبع ذلك من إشاعة الفوضى و البلبلة بين مواطنيها.
أرى أن هذا كلّه هين مادام حدث للمغرب و للمغاربة ، أليس كذلك يا أحمد منصور!!؟
كم من الأحلام أجهضها المرزوقي و قومه ؟ كم من الزهور و الأقاحي التي أذبلها طيش المرزوقي و أصحابه؟ كم من المشاريع و المنجزات و المخططات التي أجهضها تهوّر المرزوقي و جماعته.؟
و لكن من يبكي هذا كله؟
من يبكي المفقودين و المنكّل بهم و المحرومين و المفـَقـَّرين عُنوة ؟
من يبكي المعطلين من حملة الشواهد العليا لأكثر من ثلاثين سنة؟
من يبكي وأد النهضة الثقافية المغربية و الصحوة الحضارية التي شهدها البلد طوال الخمسينيات و الستينيات؟
من يبكي تعطيل الحركة الصناعية و الاقتصادية و العلمية و الثقافية؟
من يبكي إقصاء العلمانية و العلمانيين و تعويضهم بدراويش الإسلام و المتدينين؟
طبعا ، ليس أحمد منصور..
فالذي سيبكي هذه الأشياء لن يبكيها إلا دما
أمّا أحمد فكان يبكي طربا
على كلّ هذا لا يعنيني أنا كمواطن من أفراد الشعب الذين اكتووا بتهوّر المرزوقي من جهة و تعنت الملك من جهة أخرى ـ مع العلم أن هذا الملك لو لم يتعنت مع هؤلاء الجماعة بمثل ما فعل ما كان له ليستحق عندي و عند غيري اسم ملك ـ هو أني كمواطن وكشعب لم نظلم أحدا منكما.لم نأمركم بقتل الملك و لا غيره.و لم نشر على الملك أو غيره بتقبيركم.. ففيما تسألنا إذا؟ ما هو ذنبنا الذي اقترفناه اتجاهك و عصابتك حتى نعوّضك من خزينة الدّولة أو من غيرها؟
إذا كان كلّ مجرم قام بمثل ما قمت به أنت و عوّض على فعلته من خزائن الدّول، فلن يبقى هناك لا ملوك و لا رؤساء و لا هم يحزنون!!
تقول بملء فيك أن الحسن قد عوّضكم و أنكم أضعتم ما عوّضكم به نتيجة الغفلة و النصب و الاحتيال..طيب ، و ما ذنبي أنا؟ و ما ذنب ضرائبي حتى تصرف على حضرتك؟ و ما ذنب خزينة الدّولة التي أحاسبها سنويا حتى تتورط في حوالتك ؟ ألم نقض على الموظفين الأشباح ؟ بأي حقّ تطالبون أن تكونوا استثناء؟
عل أنّ ما يهمّني أكثر هو أنّ النظام في شخص الملك المرحوم قد تنازل و اعترف و التمس من الشعب الصفح و المغفرة ، إلى جانب ما اعترفت به أنت من تعويضكم و الصلح معكم . أمّا أنتم فمتى ستستغفرون لذنوبكم اتجاه شعبكم و بلدكم و وطنكم الذي تريدونه أن يعوّضكم مرّة أخرى؟
العرب .. قلت بعظم لسانك أنهم لم يتعاطفوا معكم و أنتم في الجحور أحياء و أمواتا ، فكيف تستجديهم على آخر حياتك؟
ألا ترى معي أن أحمد منصور ببكائه و ذكائه قد أحط من قدرك وأذلّك و هزّأك يا من كنت فينا موقّرا