dimanche 28 novembre 2010

شركاء الله


 الجماعات الدينية المؤدلجة تعتبر أن كل جريمة تُرتكب بحق البشر باسم الإله عملاً مقدساً لا يُعاقب مرتكبه، بل يؤجر عليه. فلو أخذنا حروب بني إسرائيل في أرض كنعان لتبين لنا أنها كانت جرائم فظيعة لم تستثنِ النساء ولا الشيوخ ولا الأطفال الرُضع، بل حتى الحيوانات ذُبحت وأحُرقت باسم "يهوه". وكان "يهوه" يقود جيش بني إسرائيل بنفسه في بعض تلك المعارك. وبدل إدانة هذا العمل الإجرامي، يكبّر بنو إسرائيل للإله "يهوه" الذي نصرهم على أعدائهم.
ورغم أن الكتاب المقدس المسيحي يخلو من آيات العنف والقتل، فإن رجالات الكنيسة الكاثوليكية، وعلى رأسهم البابا أنسنت، قد استغلوا اسم الإله لشن الحروب الصليبية الدموية لاسترجاع الأراضي المقدسة من المسلمين. وكان الجنود الصليبيون يرفعون صليبهم يهللون ويكبرون كلما قتلوا وذبحوا أعداءهم.
وقبل مجيء الإسلام ارتكب العرب في الفترة التي تُعرف ب "الجاهلية" جرائم فظيعة بمباركة إله السماء، كما تخبرنا كتب التراث وكما يخبرنا القرآن. فكتب التراث تخبرنا بأنهم كانوا يدفنون بناتهم أحياء. والقرآن يقول لنا (وكذلك زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه) (الأنعام 137). وكرر نفس الآية في سورة الأنعام، الآية 137). فإله السماء كان يجلس فوق عرشه يتفرج على طفلة رضيعة يدفنها إعرابي في رمال الصحراء، وهي حيةً تصرخ، لأن الشيطان قد زيّن لهم قتل أولادهم، فلا يحرك الإله ساكناً لمنع هذه الجريمة النكراء، بل يعترف بأنه لو شاء لمنع الشيطان من أن يزيّن لهم هذه الجريمة النكراء، ولما قتلوا أولادهم، ولكنه لم يشأ. لماذا لم يشأ؟ لأن الشيطان كان يريد أن يرد المشركين ويُلبس عليهم دينهم، وأراد الإله أن يختبرهم. فما هو دين المشركين الذي حاول الشيطان أن يردهم عنه؟ هل كان الشيطان مسلماً فأراد أن يردهم عن عبادة الأصنام؟
ثم يزيدنا القرآن ألماً على ألم عندما يقول (وإذا الموءودة سُئلت بأي ذنب قُتلت) (التكوير 8). فإله السماء الذي جلس على عرشه وتفرج على الرضيعة تُقتل دون أن يحرك ساكناً لمنع هذه الجريمة، يزيد الطين بله ويسأل الموءودة لماذا قُتلت، بينما كان الواجب أن يسأل القاتل لماذا قتلها، ويسأل نفسه لماذا لم يوقف قتل تلك البريئة؟ فهو لا شك شريك في هذه الجريمة.
ويكرر علينا القرآن في عدة آيات أن الله لو شاء لجعل كل الناس أمةً واحدةً ووضع حداً لكل هذه الاختلافات والحروب بين الأديان والطوائف. فالقرآن مثلاً يقول:
(ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) (هود 118-119) الله خلق الناس ليختلفوا ويقتتلوا حتى يملأ جهنم من الجن والإنس. فالشخص الذي يبرمج جهاز الكمبيوتر يكون مسؤولاً عما يسببه ذلك البرامج من ضرر لأي شخص أو أشخاص. والإله الذي يخلق الناس مختلفين، عن عمد، حتى يتقاتلوا ولكي يبر بالقسم الذي اتخذه ليملأ جهنم منهم، يكون مسؤولاً عن خلقه
(تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل مايريد) (البقرة 253). فلو شاء الله لمنع الاقتتال بين الناس ولكن لأن الله يفعل مايريد، كان لابد للناس أن يختلفوا في أديناهم ويقتتلوا ويذبحوا بعضهم بعضاً، والله يجلس فوق عرشه لا يحرك ساكناً. فالذي لا يمنع قتل إنسان، وهو قادر على المنع، شريك في الجريمة.
وكنتيجة حتمية لهذا التصرف الإلهي نجد أغلب الحروب الدائرة الآن بين البشر سببها الأديان. فالمقابر الجماعية في البوسنية وكرواتيا سببها الحرب بين الصرب الذين يتبعون الكنيسة ال Orthodox، والكرواتيين الذين يتبعون الكنيسة الكاثوليكية، ومسلمي البوسنية. عشرات الآلاف من الأرواح أزهقت باسم إله السماء رغم أن العرق الإثني لسكان دول البلقان لا يختلف كثيراً. وفي الحرب الأهلية اللبنانية في الثمانينات من القرن المنصرم قُتل المئات في الحرب بين المسيحيين والمسلمين، خاصةً في صبرا وشاتيلا، ودُمرت بيروت باسم إله السماء. والحروب العديدة بين الهند وباكستان، خاصة في منطقة كشمير، سببها الدين. والحرب في أيرلندا الشمالية بين الكاثوليك والبروتستانت، مع أنها سياسية المحتوى إلا أنها كانت لاختلاف المعتقد. والمليشيات العراقية التي قتلت مئات الآلاف من العراقيين، سببها الاختلاف بين السنة والشيعة. ولو شاء الله ما اختلف جميع هؤلاء الناس وما اقتتلوا بسببه.
ويبدو أن إله السماء فرض القتال على الناس ولم يكونوا راغبين فيه:
(كُتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون) (البقرة 216). فإله السماء كان يعرف أن أهل المدينة لا يريدون القتال وقد كرهوه، ولكنه كتبه عليهم وٌنعهم بأن القتال فيه خيرٌ لهم، وهو الغنائم. فهو نوع من الرشوى ليقاتلوا إنابةً عنه.
(ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم أبعث لنا مَلِكاً نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كُتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا ومالنا لا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا، فلما كُتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم والله عليم بالظالمين) (البقرة 246). فحتى الذين أُخرجوا من منازلهم لم يريدوا القتال، فلما كتبه الإله عليهم هربوا إلا قليلاً، فسمي الإله الذين هربوا "ظالمين"
(ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا لزكاة فلما كُتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشيةً وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب) (النساء 77). ويظهر هنا كره الناس للقتال رغم أن إله السماء كتبه عليهم، فسألوه لماذا كتبه عليهم. وطبعاً لو شاء الله لما اقتتلوا.
(يا أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرين يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا) (الأنفال 65). فالإله الذي يجلس فوق سبع سموات طباقاً ويعرف أن الناس لا يريدون القتال، يشجعهم عليه ويقول لهم إن الواحد منهم يغلب عشرة من الذين كفروا.
والغريب أن إله السماء استعمل نفس الإغراء مع بني إسرائيل عندما قال لهم:
(وَأَجْعَلُ سَلاَماً فِي الأَرْضِ فَتَنَامُونَ وَلَيْسَ مَنْ يُزْعِجُكُمْ. وَأُبِيدُ الْوُحُوشَ الرَّدِيئَةَ مِنَ الأَرْضِ وَلاَ يَعْبُرُ سَيْفٌ فِي أَرْضِكُمْ. وَتَطْرُدُونَ أَعْدَاءَكُمْ فَيَسْقُطُونَ أَمَامَكُمْ بِالسَّيْفِ. يَطْرُدُ خَمْسَةٌ مِنْكُمْ مِئَةً وَمِئَةٌ مِنْكُمْ يَطْرُدُونَ رَبْوَةً وَيَسْقُطُ أَعْدَاؤُكُمْ أَمَامَكُمْ بِالسَّيْفِ.) (سفر لاويون، الإصحاح 26، الآيات 6-8) 
اقتباس عن
كامل النجار

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire