الخبر لعبد الرحمان بن خلدون عن دخول العرب من بني هلال وسليم المغرب من الطبقة الرابعة وأخبارهم
كانت بطون هلال وسليم من مضر لم يزالوا بادين منذ الدولة العباسية وكانوا أحياء ناجعة بمجالاتهم من قفر الحجاز بنجد. فبنو سليم مما يلي المدينة وبنو هلال في جبل غزوان عند الطائف. وربما كانوا يطوفون رحلة الصيف والشتاء أطراف العراق والشام فيغيرون على الضواحي ويفسدون السابلة ويقطعون على الرفاق وربما أغار بنو سليم على الحاج أيام الموسم بمكة و أيام الزيارة بالمدينة. وما زالت البعوث تجهز والكتائب تكتب من باب الخلافة ببغداد للإيقاع بهم وصون الحاج من معرات هجومهم. ثم تحيز بنو سليم والكثير من ربيعة بن عامر إلى القرامطة عند ظهورهم وصاروا جنداً لهم بالبحرين وعمان. ولما تغلب شيعة ابن عبيد الله المهدي على مصر والشام وكان القرامطة قد تغلبوا على أمصار الشام فانتزعها العزيز منهم وغلبهم عليها وردهم على أعقابهم إلى قرارهم بالبحرين ونقل أشياعهم من العرب من بني هلال وسليم فأنزلهم بالصعيد وفي العدوة الشرقية من بحر النيل فأقاموا هناك وكان لهم أضرار بالبلاد. ولما انساق ملك صنهاجة بالقيروان إلى المعز بن باديس بن المنصور سنة ثمان و أربعمائة قلده الظاهر لدين الله علي بن الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله معد أمر افريقية على عادة آبائه كما نذكره لك بعد وكان لعهد ولايته غلاماً يفعة ابن ثمان سنين فلم يكن مجرباً للأمور ولا بصيراً بالسياسة ولا كانت فيه عزة و أنفة. ثم هلك الظاهر سنة سبع وعشرين و ولي المستنصر بالله معد الطويل أمر الخلافة بما لم ينله احد من خلفاء الإسلام. يقال ولي خمساً وسبعين وقيل خمساً وتسعين والصحيح ثلاث وسبعون لأن مهلكه كان على رأس المائة الخامسة وكانت أذن المعز بن باديس صاغية الى مذاهب أهل السنة وربما كانت شواهدها تظهر عليه وكبا به فرسه في أول ولايته لبعض مذاهبه.فنادى مستغيثا بالشيخين أبي بكر وعمر وسمعته العامة فثاروا بالرافضة وقتلوهم و أعلنوا بالمعتقد الحق ونادوا بشعار الإيمان وقطعوا من الأذان حي على خير العمل.و أغضى عنه الظاهر من ذلك وابنه معد المستنصر من بعد. واعتذر بالعامة فقبل و استمر على إقامة الدعوة والمهاداة وفي أثناء ذلك يكاتب وزيرهما وحاجب دولتهما المضطلع بأمورهما أبا القاسم احمد بن علي الجرجاني و يستميله ويعرض ببني عبيد وشيعتهم.وكان الجرجاني يلقب بالأقطع بما كان أقطعه الحاكم بجناية ظهرت عليه في الأعمال وانتهضته السيدة بنت الملك عمة المستنصر. فلما ماتت استبد بالدولة سنة أربع عشرة و أربعمائة إلى أن هلك سنة ست وثلاثين وولي الوزارة بعده أبو محمد الحسن بن على اليازوري أصله من قرى فلسطين وكان أبوه ملاحاً بها. فلما ولي الوزارة خاطبه أهل الجهات ولم يولوه فأنف من ذلك فعظم عليه وحنق عليه ثمال بن صالح صاحب حلب والمعز بن باديس صاحب افريقية وانحرفوا عنه وحلف المعز لينقضن طاعتهم وليحولن الدعوة إلى بني عباس ويمحون اسم بني عبيد من منابره ولج في ذلك وقطع أسماءهم من الطراز والرايات وبايع القائم أبا جعفر بن القادر من خلفاء بني العباس وخاطبه ودعا له على منابره سنة سبع و ثلاثن وبعث بالبيعة إلى بغداد. ووصله أبو الفضل البغدادي وحظي من الخليفة بالتقليد والخلع و قرئ كتابه بجامع القيروان ونشرت الرايات السود وهدمت دار الإسماعيلية. وبلغ الخبر إلى المستنصر معد الخليفة بالقاهرة و إلى الشيعة الرافضة من كتامة وصنائع الدولة فوجموا وطلع عليهم المقيم المقعد من ذلك وارتبكوا في أمرهم. وكان أحياء هلال هؤلاء الأحياء من جشم و الاثبج وزغبة ورياح وربيعة و عدي في محلاتهم بالصعيد كما قدمناه. وقد عم ضررهم وأحرق البلاد والدولة شررهم فأشار الوزير أبو محمد الحسن بن علي اليازوري باصطناعهم والتقدم لمشايخهم وتوليتهم أعمال افريقية وتقليدهم أمرها ودفعهم إلى حرب صنهاجة ليكونوا عند نصر الشيعة والسبب في الدفاع عن الدولة. فان صدقت المخيلة في ظفرهم بالمعز و صنهاجة كانوا أولياء للدعوة وعمالاً بتلك القاصية. وارتفع عدوانهم من ساحة الخلافة و إن كانت الأخرى فلها ما بعدها. و أمر العرب البادية أسهل من أمر صنهاجة الملوك فتغلبوا على هديه وشورانه. وقيل أن الذي أشار بذلك وفعله و أدخل العرب إلى افريقية إنما هو أبو القاسم الجرجاني وليس ذلك بصحيح فبعث المستنصر وزيره على هؤلاء الإحياء سنة إحدى و أربعين و أرضخ لأمرائهم في العطاء ووصل عامتهم بعير ودينار لكل واحد منهم و أباح لهم إجازة النيل. وقال لهم: قد أعطيتكم المغرب وملك المعز بن بلكين الصنهاجي العبد الأبق فلا تفتقرون وكتب اليازوري إلى المغرب: أما بعد فقد أنفذنا إليكم خيولاً فحولاً و أرسلنا عليها رجالاً كهولا ليقضي الله أمرا كان مفعولاً فطمعت العرب اذ ذاك و أجازوا النيل إلى برقة نزلوا بها وافتتحوا أمصارها واستباحوها وكتبوا لإخوانهم بشرقي النيل يرغبونهم في البلاد فأجازوا إليهم بعد أن أعطوا لكل رأس دينارين فأخذ منهم أضعاف ما أخذوه وتقارعوا على البلاد: فحصل لسليم الشرق و أقامت هيب من سليم و أحلافها رواحة وناصرة وغمرة بأرض برقة. وسارت قبائل دياب وعوف و زغب و جميع بطون هلال إلى افريقية كالجراد المنتشر لا يمرون بشيء إلا أتوا عليه حتى وصلوا إلى افريقية سنة ثلاث و أربعين.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire