لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء (أي استهجنوه إذ لم يعجبهم مذاقه) و كانت لرجل من غفار عين يقال لها رومة (و غفار قبيلة متصعلكة تقطع على الحاج و التاجر و تخرق الأشهر الحرم ،و منهم أبو ذر الغفاري طالب الطوائل المشهور) و كان يبيع القربة بمد فقال له الرسول العظيم :" تبيعها بعين فى الجنة؟ " فقال :" ليس لى غيرها ،لا أستطيع." فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمس و ثلاثين ألف درهم. ثم أتى النبي فقال:" أتجعل لي مثل الذي جعلت له عينا في الجنة إن اشتريتها ؟ "قال:" نعم ".قال : قد اشتريتها و جعلتها للمسلمين.
وفى صحيح البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم من يحفر بئر رومة فله الجنة فحفرها عثمان وقال "من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزه عثمان بسبعمائة أوقية من الذهب " و عن أبى هريرة قال اشترى عثمان من رسول الله الجنة مرتين يوم رومة و يوم جيش العسرة"
فهل يعقل أن بكون قد غاب عن عثمان أن محمدا كان يهزأ بعقلية هذا البدوي الجاهلي بكذبة لا أساس لها من الصحة.؟؟
هل يعقل أن يكون قد غاب عن عثمان أن الجنة لا تباع ولا تشترى وأن محمدا نفسه لا يملك أن يُدخل إليها أحداً وذلك بيقين القرآن نفسه ؟؟
فكيف صدق عثمان إذن هذه الأكذوبة البيضاء التي رفضها الأعرابي لأن فطرته تقول " عصفور فى اليد ولا عشرة على الشجرة " ! وبناء عليه، قام من فوره بشراء البئر ،ثم ذهب فرحاً إلى رسوله يبلغه النبأ السعيد ويسأله بغباء الساذج" أتجعل لي مثل الذي جعلت له عيناً في الجنة ؟ " .
ثم هل كان عثمان خليفة المسلمين، على هذه الدرجة من الغباء و السذاجة، حتى يتشوق كل هذا الشوق العظيم لهذه الجنة المليئة بالعذارى والخمر والغلمان؟؟ فيطلب من رسوله أن " يجعل له "؟؟ فهل هذا يعني أنه كان لا يدري أن الجنة ليست من أملاك رسوله حتى يجعل له فيها ما يشاء أو يعطى منها لمن يشاء ؟
ألم يسمع عثمان بما ثبت في الصحيحين عن رسوله أنه قال: " لن يُدْخِلْ أحداً منكم عملُهُ الجنَّة" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى برحْمَةٍ منه وفضل" ( رواه البخاري ومسلم ).
إذا كانت أعمال المسلمين لن تدخلهم الجنة ولا رسول الإسلام نفسه إلا إذا رحمهم وغفر لهم الله ، وهذا موضوع غير مضمون لأن الله فى منطق الإسلام يفعل ما يشاء ومتقلب المزاج فلا يمكن لبشر إذن أن يتيقن من مستقبله في ضوء ذلك، ولا يمكن لمحمد كذلك أن يدخل أحدا الجنة إلا إذا غفر الله له. وهذا فى علم الله و مزاجه كما قلنا.
إذن فكيف سيبيعنا محمد ما لا يملك (الجنة التى لا تباع أصلا)؟
و هل ما بدر من عثمان ينم عن غبائه و سذاجته؟؟
من يظن أن عثمان ساذج فقد بلع الطعم و سقط في فخ النصب و الاحتيال المحمدي
فحفر الآبار هو السقاية و السقاية هي إعداد الماء للصعاليك ليستسقوا منه و يرووا عطشهم و يغسلوا ثيابهم .و السقاية سبب الاستقرار التي لولاها ما ثبت الصعاليك الأولون قرب البيت الحرام.
كما أن السقاية عنوان سياسي كان يحتكره أجداد محمد ،فقصي حفر بئرا وجده لؤي قبله حفر بئرا ، ثم هاشم وعبد المطلب كلاهما حفر بئرا. و لولا هذه الآبار ما قبل صعاليك قريش بالسكن فيما سماه القرآن بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم.
و البئر من جهة أخرى مشروع اقتصادي مهم لا في عصرهم و لا حتى في عصرنا الحاضر.يتطلب اعتمادات مالية مهمة ، و أوراشا عملية ضخمة.و يتطلب عملة مهرة و تقنية و براعة. فسيكون من غير اللائق رمي عثمان بالسذاجة لحفره الآبار في سبيل الجنة.
إنما عثمان كان يعمل بمقتضى السياسة المحمدية الحربية التي تدعو إلى الاستثمار في الصعاليك و الخلعاء و الشداد و ذؤبان العرب و اللصوص و طلاب الطوائل و قطاع الطرق و العبيد و الجوعى و المغبونين و المحرومين و أبناء السبيل ـ واللائحة طويلة بأنواع المهمشين في ذاك المجتمع النبوي المثالي ـ .و ذلك باستمالتهم واحتوائهم و جمعهم والإحسان إليهم و وضعهم رهن إشارة قائد الصعلكة و الصعاليك..؟ فالصعاليك هم رأس مال قريش و ثروتها التي أفاء الله عليها بها.و رعايتها و حسن استغلالها هو ما سيعود على قريش بأوفر الأرباح و يضمن لها أحسن مستقبل.و هذا ما انتبه إليه قصي و أحفاده.و إن شراء البئر من طرف عثمان ساعد النبي الأيمن الذي تستحي الملائكة منه و ثالث خلفاء رسول الله لتعتبر أدسم مادة إشهارية من شأنها الإغراء بكل من يفكر بعقله مثل صاحبنا البدوي، فتثير فيه الرغبة في المشاركة في هذا الضرب من الاستثمار الدنيء الحقير. فهذا أبو بكر كان في رأس ماله خمسة آلاف دينار هرقلية قبل الدعوة لم يبق معه منها إلا ألف أثناء هجرته؟ فأين راحت الأربعة آلاف؟؟ و هل ابن أبي قحافة الذي خبر كل أنواع المضاربة و المتاجرة و المرابحات يعتبر ساذجا ،هو الآخر، لتفريطه في كل رأس ماله و تبديده في صالح عتق العبيد و الإحسان إليهم؟؟ إن عتق العبيد و الإحسان إلى الفقراء و إيواء المحرومين و ابن السبيل هو الاستثمار التجاري الحربي الذي جاء به محمد بديلا عن تجارة قريش، و عرضه على أغنياء مكة فرفضوه و فضلوا عليه الاستثمار في الأدم الرخيص و الثياب الحجازية الرثة و الصبر والقرفة و اللبان الحقير.
" و فى غزوة تبوك جهز جيش العسرة فقد جاء عثمان بألف دينار فى ثوبه فصبها فى حجر النبى صلى الله عليه و آله و سلم فأخذ يقلبها بيده و يقول ( ما ضّر عثمان ما عمل بعد اليوم ) رواه أحمد
و هذه وصلة إشهارية ثانية لنوع ثان من الاستثمار الحربي المحمدي الذي ينادي به الإسلام و يرفضه تجار قريش.فهذا عثمان الذي يحفر الآبار ليروي العطشان،ها هو يسلح تجريدة عسكرية لقتل الأرواح و تشريد البشر،مقابل بيت في الجنة .فهل هذه سذاجة أخرى تبذر من عثمان؟؟ إن تموين و تمويل العصابات الإجرامية استثمار كبير يعود على صاحبه بما لا تستطيع أي تجارة توفيره من الأرباح.كما أنه استثمار حقير و دنيء غير مقبول لا قانونيا و لا عقليا.فكيف سيُقبل عليه عامة الناس و بخاصة أغنياء مكة و تجارها الذين يتوفرون على المعاهدات التجارية الدولية كما تزعم السير و على الإيلافات ، لولا أن أصحاب محمد يتبارون و يتنافسون فيه؟؟
إن عثمان الخليفة لم يكن يشتري البيوت في الجنة، بل إنه كان يعلم علم اليقين أنه يشتري ضمائر المؤمنين الساذجة. و يساهم في بناء نظام حربي توسعي جديد يتطلب الاستثمار في العنصر البشري المتمرد. فهو بعمله هذا كمن يضرب العصفورين بحجر واحد كما تقول العرب.إذ هو من جهة يشهر لنفسه ضمانا لمستقبله السياسي ،و من أخرى يشهر لنظام المافيا العربية الذي عثمان أحد أعمدته الكبار و مؤسسيه العظام.
و نجد في القرآن آيات عديدة تأخذ على عاتقها مسؤولية الإشهار لهذا النظام الاقتصادي الصعلوكي ،كقوله : إن الله اشترى من المؤمنين أموالهم و أنفسهم بأن لهم الجنة التوبة111.و ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا و أعظم أجرا المزمل 20، من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة و الله يقبض و يبسط و إليه ترجعون البقرة245من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له و له أجر كريم الحديد 11.فهذه ليست آيات استجداء وتسول و صدقة كما يتباذر إلى الأذهان بقدر ما هي دعوة إشهارية إلى المشاركة في الحركة المشروع الاقتصادي الشاذ الذي ينادي به محمد.
أبو نبي الصعاليك
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire